شبكة سبيل الرشاد شبكة سبيل الرشاد

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...
recent

شرح تفسير سورة (الفاتحة) الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري رحمه الله

شــــــرح تفسيـــــر
 ســـــــــورة (الفــــــاتحـــــــة)
 الشيخ العلامة 
عبيد بن عبد الله الجابري رحمه الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شرح تفسير الفاتحة الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري رجمه الله الدرس 1
شرح تفسير الفاتحة الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري رجمه الله الدرس 2
شرح تفسير الفاتحة الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري رجمه الله الدرس 3

تفسير سورة (الفاتحة) وحكم قراءتها في الصلاة


الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن الله جل وعلا شرع لعباده في كل ركعة من الصلاة أن يقرأوا فاتحة الكتاب، وهي أم القرآن، وهي أعظم سورة في كتاب الله عز وجل كما صح بذلك الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إنها أعظم سورة في كتاب الله، وإنها السبع المثاني، والقرآن العظيم، وهي الحمد.
هذه السورة العظيمة اشتملت على الثناء على الله وتمجيده جل وعلا وبيان أنه سبحانه هو المستحق لأن يعبد وأن يستعان به، واشتملت على تعليم العباد، وتوجيه العباد إلى أن يسألوه عز وجل الهداية إلى الصراط المستقيم.
فمن نعم الله العظيمة على عباده هذه السورة العظيمة، وأن شرع لهم قراءتها في كل ركعة في الفرض والنفل، بل جعلها ركن الصلاة في كل ركعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟  قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها.
فالواجب على كل مصلٍّ أن يقرأ بها في كل ركعة؛ في الفرض والنفل، أما المأموم فعليه أن يقرأ بها في صلاته خلف إمامه، فلو جهل أو نسي أو جاء والإمام راكع سقطت عنه، فيحملها عنه الإمام، إذا جاء والإمام راكع ودخل في الركعة أجزأته، وسقط عنه وجوب قراءتها؛ لأنه لم يحضرها؛ لما ثبت في الصحيح من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه جاء والإمام راكع، فركع دون الصف ثم دخل في الصف، فأخبر النبي ﷺ بهذا بعد الصلاة، فقال له النبي ﷺ: زادك الله حرصًا، ولا تعد، ولم يأمره بقضاء الركعة؛ فدل على أن من أدرك الركوع أدرك الركعة.
وهكذا لو كان المأموم جاهلًا أو نسي الفاتحة ولم يقرأها، أجزأته وتحملها عنه الإمام، أما من علم وذكر، فالواجب عليه أن يقرأها مع إمامه، كما يجب على المنفرد والإمام أن يقرأها، وهي ركن في حق المنفرد، وركن في حق الإمام.
وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: يقول الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله سبحانه: حمدني عبدي، وإذا قال العبد: الرحمن الرحيم، قال الله جل وعلا: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال العبد: مالك يوم الدين، قال الله سبحانه: مجَّدني عبدي؛ -لأن التمجيد هو: تكرار الثناء والتوسع في الثناء- فإذا قال العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، يقول الله عز وجل : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فقوله: إياك نعبد، حق الله؛ فإن حق الله على عباده أن يعبدوه، وإياك نستعين حق للعبد أن يستعين بالله في كل شيء، يقول الله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، حق الله عليهم أن يعبدوه، وفي الحديث الصحيح يقول الرسول ﷺ: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. هذا حق الله على العباد؛ أن يعبدوه بطاعة أوامره وترك نواهيه، ويحذروا الشرك به عز وجل..
فالرسول بعثه الله ليهدي إلى صراط مستقيم، وهكذا الرسل جميعًا، كلهم بعثوا ليهدوا إلى الصراط المستقيم؛ يعني: يدعون الناس إلى الصراط المستقيم، وهو: توحيد الله، وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذا صراط الله المستقيم.
وربنا يرشدنا في كل صلاة، في كل ركعة، أن نقول: اهدنا الصراط المستقيم؛ يعني: اهدنا يا ربنا الصراط المستقيم الذي شرعته لنا، وبعثت به أنبيائك، وخلقتنا له، نطلب منك أن تهدينا له وأن ترشدنا له، وأن تثبتنا عليه. ثم فسره فقال: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ [الفاتحة:7]، هذا صراط الله المستقيم: صراط المنعم عليهم، ومن هم المنعم عليهم؟
هم: الرسل وأتباعهم، وعلى رأسهم إمامهم وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا صراطهم، صراط الله المستقيم؛ توحيد الله، وطاعة أوامره وترك نواهيه، هذا الصراط المستقيم، وهذا هو صراط المنعم عليهم، وهم: الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة.
والصراط المستقيم هو: العلم والعمل؛ العلم بما شرع الله والعمل بذلك هذا هو الصراط المستقيم، العلم بما شرع الله وبما أوجب الله على عباده، والعمل بذلك، أن تعلم حق الله عليك، وأن تعلم ما أوجب الله عليك، وأن تعلم ما حرم الله عليك، وأن تستقيم على أداء ما أمرك الله به، وعلى ترك ما حرم الله عليك، هذا هو صراط الله المستقيم الذي تطلب من ربك في كل ركعة أن يهديك صراطه المستقيم. غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، غير صراط المغضوب عليهم، وهم: اليهود وأشباههم، الذين عرفوا الحق وحادوا عنه، وتكبروا عن اتباعه، وغير الضالين، وهم: النصارى وأشباههم، الذين تعبدوا على الجهالة والضلالة.
فصراط المنعم عليهم هم أهل العلم والعمل، الذين عرفوا الحق وفقهوه، وعملوا به، وأما المغضوب عليهم، فهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه؛ كاليهود وأشباههم وعلماء السوء، الذين يعرفون الحق ويحيدون عنه، ولا يَدُلون إليه، والضالون هم: النصارى وأشباههم، ممن جهل الحق، ولم يبال بدين الله، بل اتبع هواه.
فأنت -يا عبدالله- تسأل ربك أن يهديك طريق المنعم عليهم، وهم الرسل وأتباعهم، وأن يجنبك طريق المغضوب عليهم والضالين.
وهذه دعوة عظيمة؛ فأعظم دعوة أن تسأل ربك الهداية إلى صراطه المستقيم، وهو صراط المنعم عليهم، لا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين. احمد ربك على هذه النعمة العظيمة، واحرص على هذا الدعاء، وأحضر قلبك عند هذا الدعاء في الصلاة وغيرها؛ هذا الدعاء العظيم الذي أنت في أشد الضرورة إليه اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة:6]. أحضر قلبك واصدق في هذا الطلب؛ في الصلاة وغيرها، تسأل ربك، تضرع إليه أن يهديك صراطه المستقيم، وأن يثبتك عليه حتى تكون من أتباعه والسالكين إليه، غير المغضوب عليهم وغير الضالين؛ لأن اليهود تعبدوا على خلاف العلم، وتابعوا أهواءهم حسدًا وبغيًا، وهم يعرفون أن محمدًا رسول الله، وأن الله بعثه بالحق، ولكن حادوا عن الحق تكبرًا وتعاظمًا، وإيثارًا للدنيا على الآخرة، وحسدًا.
والنصارى جهال، يغلب عليهم الجهل والضلال، وهم أقرب إلى الخير من اليهود؛ ولهذا يسلم منهم الجم الغفير في كل وقت، أما اليهود فيندر أن يسلم منهم أحد، أما النصارى فكثيرًا ما يسلمون في كل وقت؛ لأن قلوبهم أقرب إلى الخير من قلوب اليهود، قال تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى [المائدة:82].
فالنصارى أقرب وقلوبهم ألين من قلوب اليهود؛ لأن علتهم الجهل والضلال فإذا عرفوا وبُين لهم رجع كثير منهم إلى الحق. أما علة اليهود فليست الجهل، بل علتهم الحسد والبغي، وعلتهم مخالفة الحق على بصيرة؛ فعلتهم خبيثة، وهي: التكبر عن اتباع الحق، والحسد لأهل الحق؛ ولهذا قلّ وندر من يسلم منهم -نعوذ بالله من ذلك-.
فأنت -يا عبدالله- احمد ربك أن هداك لهذا الصراط، وأن علمك إياه، وأن شرع لك أن تطلبه في صلواتك وفي خارج الصلاة، تقول: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفاتحة:6، 7].
وهذا الصراط هو: دين الله، وهو الإسلام، وهو الإيمان والهدى، وهو العبادة التي أنت مخلوق لها، وهو العلم والعمل؛ أن تعلم ما شرعه الله لك، وما خلقك لأجله، وتعمل بطاعة الله، وتحذر معاصي الله، وتقف عند حدود الله، ترجو ثواب الله وتخشى عقاب الله، هذا الصراط المستقيم.
وأساسه وأعظمه وأوله وأفرضه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، هذا هو الأساس، هذا هو الأصل، هذا هو أعظم واجب، هذا هو الركن الأول، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصوم، ثم الحج -كما تقدم في الدرس الماضي-.
يقول النبي ﷺ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. هذه هي أركان الإسلام الظاهرة، وما سواها من الأوامر تابع لذلك، ويجب مع هذه الأوامر ترك المناهي، الحذر من المناهي؛ خوفًا من الله، وتعظيمًا لله، وإخلاصًا له.
هذا هو دين الله وأساسه: توحيده والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد ﷺ، ثم أداء الفرائض وترك المحارم والوقوف عند الحدود، وهذا هو الصراط المستقيم.
يجب على كل مسلم؛ من الذكور والإناث، على كل جن وإنس، على جميع الثقلين، يجب عليهم أن يثبتوا على هذا الصراط، وأن يستقيموا عليه، وأن يسألوا الله الهداية له، وأن يحذروا مخالفته؛ فهو صراط الله، وهو دين الله، وهو العلم والعمل؛ العلم بما شرع الله واتباعه.
وأساسه: توحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد ﷺ ثم أداء الفرائض، وترك المحارم، والوقوف عند الحدود، والمحبة في الله والبغضاء في الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، كله داخل في هذا؛ كله داخل في الصراط المستقيم، قال تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم؛ الذين آمنوا بالله ورسوله، وأخلصوا لله العمل، وصدقوا، وتفقهوا في الدين، وعملوا بطاعة الله وتركوا معصيته، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم، هم المنعم عليهم، وهم المذكورون في قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].
هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم، وماذا وعدهم؟ قال سبحانه: وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72]. فالله وعدهم الجنة والسعادة، هذا هو جزاؤهم في الدنيا: الرحمة، يرحمهم الله بالتوفيق والهداية والتسديد، وفي الآخرة بإدخالهم الجنة والرضا عنهم، هذا هو جزاء أهل الصراط المستقيم.
فاحرص -يا عبدالله- واحرصي -يا أمة الله- على الاستقامة على الصراط، احرصوا والزموا هذا الصراط، الزموه واستقيموا عليه عن حب وعن رغبة، وعن محبة، وعن صدق وعن إخلاص لله، وعن موالاة لأولياء الله ومعاداة لأعداء الله، وصبر على طاعة الله، وكف عن محارم الله، وتواص بالحق، وتعاون على البر والتقوى، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
هكذا المؤمنون، هكذا الصادقون، هكذا أصحاب الصراط المستقيم.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء الموفقين، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، الثابتين على صراطه المستقيم، السالكين له، المستقيمين عليه؛ إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.....
///
****
اخوكم/ ياسين السويدي
. نسأل الله أن يغفر لنا ولكم ولوالدينا ووالديكم وجميع المسلمين والمسلمات .
--------------------

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

شبكة سبيل الرشاد

2016