الخشوع في الصلاة وبعض أسبابه / الشيخ علي بن زيد المدخلي حفظه
الله
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله الله تعالى بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى
الله بإذنه وسراجا منيرا، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فصلوات الله وسلامه عليه، ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا .
أما بعد : فاتقوا الله ربكم أيها المؤمنون، فقد سعد المتقون.
قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الخشوع: خشوع القلب. وقال
الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا الجناح " .
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله: وهو في الشرع: خشيةٌ من الله تكون في القلب، فتظهر آثارُها على الجوارح " انتهى
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الخشوع حضور القلب وسكون الأطراف، أي: أن يكون قلبُك حاضرا مستحضرا ما يقول وما يفعل في
صلاته، ومستحضرا أنه بين يدي الله عز وجل، وأنه يناجي ربه " انتهى
قال ابن القيم رحمه الله : للْعَبد بَين يَدي الله موقفان: موقف بَين يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة، وموقف بَين يَدَيْهِ يَوْم لِقَائِه، فَمن قَامَ بِحَق الْموقف الأول هوّن
عَلَيْهِ الْموقف الآخر، وَمن استهان بِهَذَا الْموقف وَلم يوفّه حقّه شدّد عَلَيْهِ ذَلِك الْموقف " انتهى
علينا أيها المؤمنون، أن نستحضر عظمة الله تعالى حال وقوفنا بين يديه في الصلاة علينا – نسأل الله أن يرحم ضعفنا- أن نستحضر اطلاعَ
الله علينا ومراقبتَه لنا في صلاتنا روى البخاري ومسلم " فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى". وفي رواية المسند : (إِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ
مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا ) صححه الألباني.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبَه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذ
تكون راحةً له، وقرةَ عين، كما قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه أحمد، والنسائي عن أنس رضي الله عنه عن الرسول ﷺ قال: حُبب إليّ
الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة".
أيها المؤمنون قال الحسن - رحمه الله - : " إذا قمتَ إلى الصلاة قانتاً فقم كما أمرك الله، وإياك، والسهوَ، والالتفات، إياك أن ينظر اللهُ إليك،
وتنظر إلى غيره، وتسأل ربك الجنة، وتعوذ به من النار، وقلبك ساهٍ لا تدري ما تقول بلسانك".
علينا أيها المؤمنون أن نتدبُّر القُرْآن الكريم والأذكار التي نقولها في صلاتنا؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ تأمل رزقني
الله وإياك الخشوع في صلواتنا هذا الحوار
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني عبدي نصفين
ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال تعالى :حمدني عبدي .وإذا قال {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال مجدني عبدي .وإذا قال {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل .فإذا قال:{ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ
عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } قال :هذا لعبدي ولعبد ما سأل "رواه مسلم. الله أكبر هنيئا وبشرى للمتأمل المتفكّر، علينا أن نتدبّر ما نقول في صلاتنا من
قراءة وأذكارِ الركوع والسجود، فهذا طريق الخشوع والطمأنينة، كان مما يقول عليه الصلاة والسلام: " اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك
أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي" رواه مسلم
وكذلك التنويع في الصلوات بين أدعية الاستفتاح في كل صلاة دعاء واحد، وقراءة السور بعد الفاتحة؛ يزيد القلب خشوعا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكل مؤمن ومؤمنة
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، ولنكن من الخاشعين في صلواتهم، فـ(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ
خَاشِعُونَ"
عباد الله ومما يُستجلب به الخشوع في الصلاة تذكر الموت؛ فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اذكر الموتَ في
صلاتك؛ فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يُحسن صلاته، وصل صلاةَ رجلٍ لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها، وإياك وكل أمر
يعتذر منه" حسنه الألباني.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقال: " إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّع) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني
علينا أيها المباركون بمُجَاهَدَة أنفسنا : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ جعلنا الله منهم.
علينا أن نستحضر الثواب المترتّب على الصلاة الخاشعُ فيها صاحبُها، فبشرى للذين هم في صلاتهم خاشعون، فعن عقبة بن عامر رضي الله
عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مُسْلِمٍ يتوضأ فيُحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يُقْبِلُ عليهما بقلبه ووجهه، إلا
وَجَبَت لَهُ الجَنَّة" رواه مسلم. الله أكبر جعلني الله وإياكم ووالدينا وذرياتنا وأزواجنا من أهل الفردوس الأعلى من الجنة.
وجاء في حديث طويل وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإِن هُوَ قامَ فصلَّى، فحَمِد اللَّه تَعَالَى، وأَثْنَى عليهِ وَمَجَّدَهُ بالَّذي هُوَ لَهُ أَهلٌ،
وَفَرَّغَ قلبَه للَّه تَعَالَى؛ إِلا انصَرَفَ مِنْ خطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" رواه مسلم فلنقبل على صلواتنا بخشوع عباد الله.
يقول ابن القيم رحمه الله: "وإنما يقوى العبدُ على حضوره في الصلاة واشتغالِه فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته
الشهوةُ وأسره الهوى ووجد الشيطانُ فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟
والقلوب ثلاثة: قلب خالٍ من الإيمان وجميعِ الخير فذلك قلبٌ مظلم قد استراح الشيطانُ من إلقاء الوساوس إليه؛ لأنه قد اتخذه بيتا ووطنا وتحكم
فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن
القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه، لكنْ عليه ظلمةُ الشهوات فللشيطان هنالك إقبالٌ وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب
دول وسجال...
القلب الثالث: قلب محشوٌّ بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعتْ عنه حجبُ الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلِنورِه في صدره إشراق،
ولذلك الإشراق إيقادٌ لو دنا منه الوسواسُ احترق به، فهو كالسماء التي حُرستْ بالنجوم فلو دنا منها الشيطانُ يتخطاها رُجم فاحترق... اهـ
بتصرف يسير
اللهم اجعلنا من الخاشعين في صلواتهم، اللهم ارزقنا الخشوع والخضوع والطمأنينة واجعلنا من عبادك المتقين، اللهم فقهنا في الدين، واجعلنا
هداة مهتدين صالحين مصلحين، اللهم اجعلنا من معلمي الناس الخير.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأولادنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وأيده وانصره بنصرك، وكن له معينا ومسددا، اللهم اجعله إماما عادلا،
اللهم بارك له في شعبه وعمره وعمله، وبارك له في نجله وولي عهده محمد بن سلمان وفي جميع أعوانه ونوابه في كل مكان، وارزقهم البطانة
الناصحة المخلصة الصادقة، وجنبهم بطانة السوء، واجعل على أيدهم العزّ والتمكين للإسلام والمسلمين في كل مكان.
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.