التعريف بـ"كتاب التوحيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ (ت: 1206هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
وأذكر هنا تعريفا بالكتاب، ومنهج صاحبه فيه، وبعض شروحه.
فأقول مستعينا بالله:
ـ التعريف بالكتاب:
(كتاب التوحيد) الذي ألفه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ (ت: 1206) "كتاب عظيم النفع جدا، جدير بأن يعنى به عناية حفظ، ودرس وتأمل، فالعبد محتاج إليه للعمل به، ولتبليغ ما فيه من العلم لمن وراءه من الناس، سواء أكانوا في المسجد، أم في البيت، أم في مقر عمله، أم في جهة أخرى.
والمقصود أن من فهم هذا الكتاب فقد فهم أكثر مسائل توحيد العبادة، بل يكون قد فهم جل مسائله وأغلبها". اهـ ["التمهيد": (ص ج)]
ـ أين ألفه الشيخ محمد؟
قال الشيخ صالح آل الشيخ ـ حفظه الله ـ: "وهذا الكتاب صنفه إمام الدعوة ابتداء في البصرة لما رحل إليها، وكان الداعي إلى تأليفه ما رأى من شيوع الشرك بالله ـ جل جلاله ـ ومن ضياع مفهوم التوحيد الحق عند بعض المسلمين، وما رآه عندهم من مظاهر الشرك الأكبر، والأصغر، والخفي.
فابتدأ في البصرة جمع هذا الكتاب، وتحرير الدلائل لمسائله، ذكر ذلك تلميذه وحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ في "المقامات".
ثم إن الشيخ لما قدم نجدا حرر الكتاب وأكمله، فصار كتابه هذا ـ بحق ـ كتاب دعوة إلى التوحيد الحق". اهـ ["التمهيد": (ص ب)، وانظر: "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي" للدكتور صال العبود (1/202)]
ـ موضوعات الكتاب:
ركز هذا الكتاب على توحيد العبادة، وهو توحيد الألوهية، والتحذير من الشرك الأكبر والأصغر، مع الكلام على توحيد الأسماء والصفات، وبيان الأدلة من الكتاب والسنة على خطر الشرك، وبيان ما بعث الله به رسله من التوحيد.
وقد بدأ المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ هذا الكتاب ببيان توحيد العبادة؛ لأن أكثر الناس في زمانه قد جهلوا هذا التوحيد، ووقعوا في كثير من الأعمال والأقوال التي تنافيه، ثم ختم كتابه بتوحيد الأسماء والصفات ليكون هذا الكتاب شاملا لأنواع التوحيد الثلاثة". ["عناية العلماء بكتاب التوحيد": (ص 2]
قال الشيخ إسماعيل بن سعد بن عتيق: "طراز جديد في تفهيم الناس مقاصد التوحيد؛ إذ جعله على أبواب دائرية تنداح كل دائرة بأوسع من أختها.
فالدائرة الأولى: هو معرفة التوحيد الذي بعث الله به أنبياءه ورسله.
والدائرة الثانية: تحقيق ذلك التوحيد.
والدائرة الثالثة: الخوف من الشرك بأنواعه.
والرابعة: حماية التوحيد.
والخامسة: حماية حمى التوحيد". [مقدمة "إبطال التنديد" بتحقيقه]
ـ منهج الشيخ محمد في كتابه:
قال الشيخ عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ: "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد هو أهم وأوسع كتب الشيخ ـ رحمه الله ـ في العقيدة، وقد اشتمل على ستة وستين بابا، أولها باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وآخرها باب ما جاء في قول الله تعالى: "وما قدروا الله قدر قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة" الآية".
"ومن منهجه في تأليفه:
1 ـ أن الكتاب من أوله إلى آخره يسوق فيه الشيخ الإمام آيات وأحاديث وآثارا عن سلف هذه الأمة، من الصحابة ومن بعدهم ممن سار على نهجهم وطريقتهم، وصنيعه هذا شبيه بصنيع الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في كتابه "الجامع الصحيح"، وعلى الأخص كتاب التوحيد الذي هو آخر الكتب في "صحيح البخاري"، فإن طريقة البخاري في ذلك أنه يورد آيات وأحاديث وآثارا.
وقد بلغت أبواب كتاب التوحيد من "صحيح البخاري" ثمانية وخمسين بابا، أولها: (باب ما جاء في دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى)، وقد أورد فيه حديث معاذ بن جبل في بيان حق الله على العباد وحق العباد على الله.
وعِدة أبواب كتاب التوحيد عند الإمام البخاري، وأبواب التوحيد عند الإمام محمد بن عبد الوهاب متقاربة، وهي في "الصحيح" ثمانية وخمسون، وعند الإمام محمد بن عبد الوهاب ستة وستون.
2 ـ أنه عند إيراده الآيات والأحاديث والآثار يقدم الآيات ثم الأحاديث ثم الآثار، إلا إذا كان الأثر متعلقا بآية أو بحديث، فإنه يقدمه من أجل ذلك التعلق.
3 ـ هذا الكتاب مشتمل على الآيات والأحاديث والآثار، وبذلك علا قدر الكتاب وارتفعت منزلته، وليس للشيخ ـ رحمه الله ـ فيه كلام إلا ما يورده في آخر كل باب من مسائل مستنبطة من الآيات والأحاديث والآثار، وهي تدل على قوة فهم الشيخ ـ رحمه الله ـ ودقة استنباطه، وفيها شحذ أذهان طلاب العلم في معرفة المواضع التي استنبطت منها هذه المسائل.
4 ـ أن أبواب هذا الكتاب متضمنة تقرير التوحيد، الذي هو إفراد الله بالعبادة، والتحذير مما ينافي أصل التوحيد، وهو الشرك بالله، أو ينافي كماله، وهو الشرك الأصغر والبدع، ومن أبواب "كتاب التوحيد" في تقرير التوحيد (باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)، و(باب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب)، و(باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله)، و(باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله).
ومن الأبواب فيما ينافي أصل التوحيد وهو الشرك، (باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره)، و(باب ما جاء في الذبح لغير الله)، و(باب من الشرك النذر لغير الله)، و(باب من الشرك الاستعاذة بغير الله)، و(باب قول الله تعالى: "أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا" الآية، و(باب قول الله تعالى: "فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون").
ومن الأبواب فيما ينافي كمال التوحيد وهو البدع والشرك الأصغر: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين)، و(باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟!)، و(باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله)، و(باب ما جاء في حماية المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك)، و(باب قول: ما شاء الله وشئت)". اهـ ["منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف" (ص 14)